بيوت الموصل... مساعٍ لترميم وإعادة إحياء الأسواق القديمة

بيوت الموصل... مساعٍ لترميم وإعادة إحياء الأسواق القديمة

09 يونيو 2020
أحد أحياء الموصل (صافين حامد/ فرانس برس)
+ الخط -

يصرّ أهالي الموصل على ترميم بيوتها وقصورها الأثرية وأسواقها القديمة التي دمرها تنظيم "داعش". وعلى الرغم من غياب دعم المعنيين، يعمل سكان المدينة على ترميم ما أمكن، بمساعدة بعض المنظمات

ما تبقّى من بيوت وقصور ومبان في الموصل، يعود عمر بعضها إلى مئات السنين، وسلمت من الحرب الطاحنة التي شهدتها المدينة قبل سنوات، باتت أحد الملفات الأساسية بالنسبة لسكان الموصل. هؤلاء يعتبرون أن صيانتها وترميمها يعنيان الحفاظ على هوية الموصل التاريخية.

‎وعقب احتلاله المدينة، عمد تنظيم "داعش" إلى تفجير أضرحة ومساجد وكنائس وأديرة، عدا عن القصف العنيف الذي استهدف المدينة خلال معارك تحريرها من سيطرة التنظيم، ما ساهم في تضرر الكثير من المنازل والمباني، منها ما هو أثري يعكس الهوية العمرانية لحقب مختلفة شهدتها المدينة، وأخرى تحاكي تاريخ بيوت عائلات موصلية اقترنت بتاريخ الشقيقة الصغرى للموصل، مدينة حلب السورية.




‎ويتطوع ناشطون ووجهاء وأعيان الموصل للعمل ضمن مشروع الحفاظ على ما تبقى من معالم الموصل التاريخية، والتي تقع غالبيتها على الطرف المقابل لنهر دجلة، وتعرف باسم المدينة القديمة، وتضم نحو 12 ألف منزل تعرض معظمها للدمار خلال المعارك. يعمل هؤلاء بجهود ذاتية، ويحصلون على الدعم من قبل بعض المنظمات.

في هذا السياق، يقول الناشط والأستاذ الجامعي أحمد وليد لـ "العربي الجديد" إنّ إنقاذ ما تبقى من بيوت وأسواق الموصل العتيقة يحتاج إلى جهود حكومية كبيرة، خصوصاً إقرار قانون لحماية ما تبقى من آثار، أو دعم مادي، أو البناء مع مراعاة الطابع العمراني، علماً أن المباني القديمة في مدينة الموصل اعتمدت على مادة الجص والحجر القديم. والآن يستخدم الإسمنت في البناء إذ إن كلفة البناء على الطراز القديم تعد مرتفعة. لذلك، "نبني وفق إمكانياتنا، ونعمد إلى ترميم البيوت الأثرية للحفاظ عليها".



ويشير وليد إلى جهود بعض أصحاب المحال التجارية في الأسواق الموصلية القديمة الذين لديهم إمكانيات مادية لإعادة ترميمها مع الحفاظ على طابعها الأثري، مستخدمين مواد البناء الحديثة. من بينها خان حمو القدو (أحد الخانات المهمة في الموصل) وسوق باب السراي الذي يقع في حي باب السراي، أحد أحياء مدينة الموصل القديمة، وقد أعاد أهلها ترميمها مع الحفاظ على طرازها القديم. وحرص شباب الموصل، وبجهود ذاتية، على إعادة إحياء المدينة القديمة.

الجامع الكبير في الموصل (صافين حامد/ فرانس برس) 












يُشار إلى أن محلة الشهوان أبيدت بالكامل، وقد تجاوز الدمار في محلّة الميدان نحو 95 في المائة، إذ تركزت العمليات العسكرية فيها إضافة إلى المناطق القريبة من الساحل مثل دجة بركة في الموصل العتيقة، ومحلة المكاوي أحد الأحياء السكنية التي تقع ضمن المدينة التاريخية، وغيرهما. ونتيجة للحرب، دمرت بيوت كثيرة. وهناك عمل على إعادة ترميم ما تيّسر على غرار بيت سليمان الصايغ الذي يعد بناء أثرياً ما زال قائماً.



ويشير وليد إلى أن المنطقة القديمة التي تعرف بكونها قلب الموصل، ومحلة الميدان تعانيان من الإهمال بشكل عام. ويتجلى ذلك من خلال ما حدث خلال الفترة الماضية لناحية عرقلة العمل في سبيل إعادة الحياة فيها، والذي يعتبره الأهالي ابتزازاً لإجبارهم على بيع أراضيهم واستغلالها من قبل أصحاب النفوذ لبناء عمارات أو مولات. يضيف: "نأمل ونعمل على منع ذلك للحفاظ على هوية مدينتنا وبيوتها بطرازها القديم". وبنيت بيوت الموصل القديمة من الطوب والآجر (الجص)، إضافة إلى تفاصيل أخرى لا يجيدها كثيرون اليوم، كما أن تفاصيلها أكثر دقة.

مدرسة مهدمة في المدينة القديمة (زيد العبيدي/ فرانس برس) 












وتجاوزت نسبة الدمار في الأحياء السكنية والبنى التحتية للموصل، من جراء الحرب، ما نسبته 80 في المائة. وقدّرت كلفة إعادة إعمار المدينة التي كانت تضم أكثر من مليوني نسمة قبل احتلالها من "داعش" إلى سابق عهدها بأكثر من 40 مليار دولار.

إلى ذلك، يتحدث عضو منظمة "إنقاذ" ياسر المولى، عن ضرورة التحرّك السريع لإزالة الأنقاض من المنطقة القديمة، إذ يجب أن تكون هناك لجنة من الآثار لتقييم الواقع واستدراك ما يمكن استدراكه، مشيراً إلى أن "تاريخ الموصل في خطر كبير والتعاون من أجل الحفاظ على هوية مدينتنا واجب يقع على عاتقنا جميعاً. وتأتي في المقدمة الدوائر المعنية بالأمر كالمحافظة والبلدية ومديرية الآثار العامة وغيرها، التي يجب أن تعمل على إعداد خطة مشتركة للحفاظ على هذا الإرث الحضاري العظيم".

ويوضح لـ"العربي الجديد" أن "بيوت الموصل وأسواقها التراثية تعكس أصالة هذه المدينة وعمقها التاريخي، ما يجعل الموصل واجهة للعراق، لأنها تعبر عن هوية حضارية عظيمة. ولذلك، استهدفها تنظيم داعش بهدف طمس هذه الهوية ومحاولة تغييبها من خلال تفجير مساجدها وأسواقها وبيوتها العتيقة".



في السياق نفسه، يقول المنسق الإعلامي للاتحاد العربي للتطوع، أيوب ذنون، إن الحياة عادت إلى المدينة القديمة بعض الشيء، لكن ما زالت مناطق بأكملها مدمرة ولم يعد إليها أهلها، خصوصاً منطقتي الميدان والقليعات، اللتين ما زالتا تشهدان على بشاعة الحرب التي عاشها أهالي الموصل، و"هذا ما دفعني منذ فترة وبحكم تعلقي بهذه المنطقة، إلى توثيق صور المنازل التي اعتبرت كنزاً حضارياً للموصل لتعريف العالم بها". يضيف أنه ينشر الصور على حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي. ويُتابع في حديثه لـ"العربي الجديد": "حتى يومنا هذا، ما زال الكثير من الناس غير مدركين عظمة وتاريخ هذه الآثار وهذه المدينة، التي تعد كنزاً تاريخياً". ويوضح أنه في أي مكان آخر من العالم، كان المعنيون سيحرصون على ترميمها وإعادتها إلى سابق عهدها والحفاظ عليها بالشكل الذي يليق بتاريخها ومكانتها، مشيراً إلى المبادرات التي تطلق على غرار مبادرة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو" التي بدأت العمل في إطار مشروع إعادة إحياء المدينة القديمة في الموصل، بتمويل من الاتحاد الأوروبي. لكن المدينة وبيوتها القديمة تحتاج إلى جهود أكبر للحفاظ على هويتها.




يذكر أن القوات العراقية أعلنت في العاشر من يوليو/ تموز عام 2017 استعادة مدينة الموصل بعد تسعة أشهر من معارك دامية ضد تنظيم داعش، الذي سيطر على المدينة منتصف يونيو/ حزيران عام 2014.