اتحاد الشغل.. مرة أخرى

اتحاد الشغل.. مرة أخرى

07 مارس 2018
+ الخط -
صرح الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، نورالدين الطبوبي، يوم 3 مارس/ آذار الجاري في مؤتمر الاتحاد الجهوي للشغل في تونس، "أقول لكل الناعقين لأيام 14 يناير إن الاتحاد أكبر منكم، ولنا جزء في هذه البلاد، فنحن قدمنا الشهداء ولا يمكن أن يتم حصر منظمة حشاد في خانة المطلبية لأن الاتحاد منظمة وطنية". لا يمكن أن يمر هذا التصريح من دون أن يلقي بظلاله على الوضع السياسي في تونس. والمؤكد أن تغييرا ما سيحدث، قريبا، في هرم السلطة الحاكمة، وسيسبق ذلك ارتفاعا في نسق الإضرابات والاحتجاجات.
قبل هذا التصريح بأيام، كان نورالدين الطبوبي قد دعا إلى تحوير وزاري. لم يرد رئيس الحكومة في وقته، إلا أنه تدارك لاحقا، وتحدث، عرضا، بأنه لا يحتاج، حاليا، إلى إجراء أي تغيير في حكومته، وربما ذلك ما أغضب الطبوبي.
لم يكن اتحاد الشغل منذ نشأته منظمة نقابية عمالية خالصة، مثل أغلب النقابات في العالم، تعنى بمنظوريها وتحسين أوضاعهم فقط. يعتقد كثيرون أن الاتحاد هو أكبر حزب سياسي في تونس، إذ يضم أكثر من 700 ألف منخرط، وهم أوفياء لحزبهم، فهو الوحيد القادر على تحقيق مطالبهم، كالزيادات في الأجور وحمايتهم من الإدارة في حال الأخطاء المهنية.
وتاريخيا، منذ نشأته لم يترك الاتحاد منصة الحكم، فما بين 1955 و1965، وقف النقابيون طرفا مع الحبيب بورقيبة ضد اليوسفيين، وقاموا بعد ذلك، في نوفمبر/ تشرين الثاني 1955، بحراسة مؤتمر الحزب الحر الدستوري التونسي الجديد في محافظة صفاقس. وفي أول حكومة ما بعد الاستقلال، تقلد بعض أعضاء المكتب التنفيذي للاتحاد مناصب وزارية، مثل مصطفى الفيلالي، عبد الله فرحات، الأمين الشابي ومحمود المسعدي.
وعلى الرغم من أنّ العلاقة بين الاتحاد وحكومة بورقيبة الأولى لم تصمد طويلا، إلا أنّ بورقيبة وخلفه زين العابدين بن علي المخلوع، أدركا أن الاتحاد قوة مطلبية وسياسية لا يستهان بها، ولا يمكن تجاهلها، فمكناه من الوجود داخل البرلمان، في كل دوراته، منذ 1959 إلى سنة 2010. حتى إن بن علي استقر حكمه، بعد أن ضمن ولاء قيادات الاتحاد له، فلم يجرّبوا ليْ العصا في يده، مثلما فعلوا مع حكومات ما بعد ثورة يناير 2011، وإنما مهدوا له كل سبل إطالة فترة حكمه.
ما بعد ثورة يناير لم يصمد في تونس من مؤسساتها سوى اتحاد الشغل. ساند التحركات الشعبية وحاول تأطيرها، واعتبر نفسه الراعي الأول والوحيد للدولة، والمسؤول عن خياراتها وسياساتها، فأسقط حكومة علي العريض لأسباب إيديولوجية، وفعل كذلك مع حكومات الصيد ومهدي جمعة بعد أن أعطى الضوء الأخضر لكليهما بترؤس الحكومة. والآن، جاء الدور على رئيس الحكومة الحالي، يوسف الشاهد، فدعا الأمين العام للاتحاد، الطبوبي، إلى إجراء تعديل وزاري، فرد رئيس الحكومة، الشاهد، بعدم استجابته لذلك، ما ينبئ بعودة الاتحاد إلى ممارسة قوته في تقويض الحكومات، فقادته لا يرضون بعدم الاستجابة لمطالبهم.
وما يجب التذكير به، هو أن اتحاد الشغل شديد الفاعلية وقوي الضرر إذا أراد، فما تعاني منه تونس حاليا من مصاعب اقتصادية كان للاتحاد اليد الطولى فيها. فمثلا تضخم كتلة الأجور، التي أثقلت كاهل الدولة، كانت نتيجة سببين مهمين: الأول، العدد الكبير من الانتدابات في القطاع العام، بما لا يتناسب وإمكانات الدولة. والثاني، الزيادات في الأجور الخيالية التي تحصلت عليها بعض القطاعات العمالية، وكل هذه كانت نتيجة قوة الضغط النقابية التي لا تعترف بمقدرات الدولة، ولا بوضعها الهش، حيث تعطلت أغلب وسائل الإنتاج. ولهذا السبب بالذات، سيأخذ رئيس الحكومة ألف حساب لردة فعل قادة الاتحاد، فإما الخضوع أو المغادرة.
ولن تطول حيرة الشاهد أمام خيار الخضوع لمطالب الاتحاد أو مغادرة الشاهد الحكومة، وهي مغادرة ستعصف بمستقبله السياسي إذا حدثت، لذلك سيقر الاستسلام، ولكن بثوب يضمن له كرامته، وسيفتح الأبواب الخلفية لقصر القصبة للاستماع بكل انتباه لما يريد الاتحاد فعله.
في المحصلة، لكي يستقر الحكم في تونس، يوجد خياران لا ثالث لهما: تسليم السلطة للاتحاد، باعتباره أكبر حزب سياسي في البلاد، أو أن ينأى الاتحاد بنفسه عن ممارسة السياسة، من دون تدخل وتوجيه وفرض للخيارات بالقوة، مع أن الأمين العام، الطبوبي، قد أجاب في تصريحه على هذا الإشكال، حينما قال "لا يمكن أن يتم حصر منظمة حشاد في خانة المطلبية"، بمعنى إن اتحاده سيواصل عمله السياسي، أحب من أحب وكره من كره.
9F050F52-E60E-4E02-8779-EC6C876D09AD
9F050F52-E60E-4E02-8779-EC6C876D09AD
محجوب أحمد قاهري (تونس)
محجوب أحمد قاهري (تونس)